لم يكن مفاجأة أن يُعلن أمس عن مبادرة من الرئيس التركي طيب رجب اردوغان في مكالمة هاتفية مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان.. يقترح فيها فتح حوار مباشر بين السودان و الامارات.
سبق لي أن كتبت هنا أن ترتيبات دولية لـ”شرق أوسط جديد” خالي من النزاعات قطعت شوطا مقدرا وآخر محطاتها كانت سوريا.. و ستطوي قريبا اليمن.. و بالضرورة السودان لن يكون خارج خارطة الشرق الأوسط الجديد.

مكالمة أردوغان – جاءت بعد موافقة الامارات- اقترحت وساطة تركية في سياق احتواء ملف الحـ؛رب كليا.. ولكن لم تحدد أي شروط أو خطوط أو حتى اطار عام لما يمكن أن تكون عليه ترتيبات المفاوضات بين السودان والامارات.

الرئيس أردوغان يرى أن تحديد تفاصيل مسبقا قد يضر بقبول الطرفين بها.. و سيكون أشبه بالتفاوض على مبدأ المبادرة عوضا عن الوصول لمرحلة التفاصيل.. فاختار اردوغان أن يحصل على بطاقة خضراء من الطرفين تصبح خطوة مهمة لضمان نجاح المبادرة.
تركيا ترغب في مسار مواز لمنبر جدة ومجهودات المبعوث الامريكي الخاص توم بيرللو.. فالمفاوضات هنا ليست بين الجيش والتمرد.. بل بين دولتين.. و على أسس قد تتجاهل الوضع العسكري الميداني وتنظر مباشرة لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين البلدين.
في المكاملة الهاتفية بين الرئيس البرهان والشيخ محمد بن زايد 19 يوليو 2024 دار نقاش حول اتهامات السودان للإمارات بدعمها العسكري المباشر للتمرد.. ولم تتطور المكالمة إلى خطوة لاحقة.. كأنما أغلق الباب كليا على توافق بين البلدين يمكن أن يؤثر على ملف السلام في السودان.

تركيا ترى أن التفاوض بين البلدين لا يجب أن يعود لذلك المربع.. بل يتخطاه لما يجب أن تكون عليه العلاقات وليس ما وصلت إليه..
الفكرة التركية تبدو صائبة في استهداف الوصول إلى حل بدلا من الغرق في المشكلة.. لكن يبقى السؤال وما هو الناتج من المبادرة؟ هل تنهي الحـ؛رب كليا؟ أم تحافظ عليها في سياق يخرج الامارات من الاتهامات دون أن يخرج السودان من نفق الحـ؛رب؟
الاجابة على السؤال لن تتوفر لأي من تركيا والامارات.. بل للضلع الثالث في هذه المعادلة.. السودان.
رئيس مجلس السيادة البرهان يملك مفاتيح اللعبة.. و يتطلب الأمر تخطيطا متقنا لخارطة طريق ثلاثية الأبعاد.. في البُعُد الثنائي مع الامارات.. والبُعد المتعدد مع المجتمعين الاقليمي و الدولي.. و البُعد الداخلي السوداني.
قد تبدو الأبعاد الثلاثة مستقلة عن بعضها لكنها في الحقيقة مرتبطة ومتداخلة بدرجة كبيرة.
البعد الداخلي السوداني: يتطلب صورة واضحة للدولة السودانية ما بعد الحـ؛رب.. ليس من باب التدخل الخارجي في الملف الداخللي بل لكون ذلك يجيب على سؤال مهم في السياقين الآخرين.. الثنائي مع الامارات والمتعدد الاقليمي و الدولي.
وجود دولة متماسكة ذات قوام مؤسسي يقوي صورتها الذهنية.. ويرفع درجة الموثوقية في التعامل معها.. وهذا لا يتحقق في ظل الأوضاع الراهنة التي تبدو فيها الدولة السودانية منزوعة القوام المؤسسي القياسي.
أما البعد الاقليمي والدولي؛ فأهميته في كونه يدفع بأجندة السودان الوطنية ويقوي ثقله الدبلوماسي.. فالسياسة الخارجية المتوازنة والمستقرة تضمن انسياب العلاقات الخارجية في القنوات الطبيعية التي تجعل السودان دولة مؤثرة في محيطها القريب والبعيد.
والبعد الثالث والأخير؛ العلاقات الثنائية مع الامارات.. فهو أسهل هذه الأبعاد الثلاثية لتوفر حوافز الفوز-فوز للطرفين.
من الحكمة أن لا ينتظر البرهان أكثر.. فالأفضل أن يدخل من الباب الذي فتحه اردوغان.. ويمضي فيه إلى آخر الشوط بكل ثقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version