تراقب الأواسط السياسية بوادر إنقسام حاد داخل حزب المؤتمر الوطني المحظور، تعكس صراعا متعدد الجوانب حول القيادة والموارد والعلاقة مع الحركة الإسلامية ومستقبل المجموعة المطلوبة للمحكمة الجنائية . هذا الواقع يعبر عن أزمة عميقة على هوية الحزب ومستقبله بشكل كبير، ويضعه في مواجهة تحديات مصيرية تهدد استمراره.
أبرز مظاهر الانقسام تتجسد في صراع التيارات الرئيسية، حيث تواجه مجموعة أحمد هارون مجموعة أخرى بقيادة إبراهيم محمود في معركة مفتوحة على الشرعية والسيطرة. إذ بلغت الخلافات ذروتها مع تبادل الإتهامات عبر بيانات جماهيرية، بتجاوز اللوائح التنظيمية والتآمر، مما يعكس أزمة ثقة متفاقمة بين القيادات. علاوة على ذلك، تلعب الموارد المالية دورا محوريا في تعميق هذا النزاع، وسط اتهامات متبادلة بتحويل الموارد لصالح هيكل موازٍ يعرف بـ(المنظومة) .
من جهة أخرى، يشير بيان مجموعة المكتب القيادي إلى تدخلات من خارج الحزب في الشأن الحزبي، تشمل استخدام أجهزة أمنية غير مختصة لتأمين الاجتماعات. هذا التداخل يثير تساؤلات حول تسييس المؤسسات النظامية، إذ تواجه هذه المؤسسات أو بعض منسوبيها اتهامات بحماية بعض القيادات وتأمين مؤتمر جماعة مجلس الشورى، ما يضيف بعدا جديدا إلى تعقيدات الأزمة الداخلية، ومن ناحية أخرى تكشف أيضا عن دور بعض الأطراف في تعميق الأزمة.
لتوضيح ذلك حري بنا أن نشير إلى إن التعقيد الأمني المتوقع، يكمن في وجود عناصر مسلحة داخل الحزب استفادت من ظروف الحرب للحصول على إمكانيات عسكرية متقدمة. بالطبع أن هذه العناصر تشكل تهديدا كبيرا في حال تحول الصراع الداخلي إلى مواجهة ذات طابع عسكري، سيما مع ارتباط بعض القيادات بنفوذ داخل القوات المسلحة، ما قد يؤدي إلى زيادة التحديات الأمنية ويعقد جهود الاستقرار السياسي في البلاد.
لكن يبقى السؤال المطروح كيف لحزب رغم الحظر الرسمي، لا يزال يمارس نشاطه عبر وسائل مباشرة وغير مباشرة، مستفيدا من حماية سلطات الأمر الواقع في بعض المناطق، ما يعكس تناقضا في التعامل مع الحزب ويطرح تساؤلات حول مدى جدية تطبيق الحظر. في الوقت ذاته، تكشف الأزمة الراهنة عن فجوة متزايدة بين تيارات الحرس القديم حول النفوذ والموارد، بعد أن فقدت هذه القيادات امتيازات السلطة بشكل كبير، مما يجعل تجاوز الخلافات في المستقبل القريب أمرا مستبعدا.
تأسيسا على ذلك فإن السيناريوهات المستقبلية ترجّح استمرار الانقسامات داخل الحزب، ما قد يؤدي إلى تفككه على المستويين القيادي والقاعدي. هذا هو السيناريو الأرجح الذي سيقود إلى انقسام الحزب رأسيا وأفقيا، ما يضعف فرص بقائه ككيان سياسي موحد.
في ظل هذا المشهد، من المتوقع أن يتراجع تأثير المؤتمر الوطني على الساحة السياسية بشكل أكبر مما هو عليه ، خاصة بعد العزلة السياسية التي فرضت عليه عقب سقوط نظامه إثر ثورة ديسمبر.
خلاصة القول، أن المؤتمر الوطني يقف عند مفترق طرق مصيري. مع استمرار الانقسامات وتفاقم الصراعات الداخلية، فإن انهيار الحزب ككيان سياسي قد يصبح أمرا واقعا ، خاصة إذا تحول الصراع بين جناحيه إلى مواجهة مفتوحة.