لنا مهدي

انهار الاتفاق العظيم الذي كنا ننتظر منه أن يُغيّر مجرى التاريخ في شرق السودان بين الناظر محمد الأمين ترك ناظر عموم قبائل الهدندوة ورئيس قوات تحالف أحزاب وحركات شرق السودان، شيبة ضرار؛ ولكن من قال إن التاريخ نفسه ليس معطوبًا في هذه البلاد فالاتفاق الذي كان يُسوّق له وكأنه جسر نحو الاستقرار انكشف عن كونه حبلًا مهترئًا بالكاد يستطيع حمل وزن التصريحات الإعلامية التي رافقته

بدا المشهد وكأننا أمام مسرحية عبثية من تأليف هواة جلسوا على طاولة الحوار ليس لحل الأزمة بل لإثبات أن كل طرف أكثر مهارة في تسجيل الأهداف السياسية على خصمه؛ تنافس الطرفان في خطب الحماسة وإظهار حسن النوايا حتى بدا وكأنهما ينافسان في مسابقة خطابية أكثر منها جلسة مصالحة لكن ما إن وضعت الأقلام على الورق حتى بدأ كل طرف في مراجعة حساباته “هل فعلاً يمكننا أن نثق بهذا الآخر” ؟! بالطبع لا!!

الانهيار هذا ليس مفاجئًا لأنه ببساطة كان متوقعًا منذ لحظة توقيع الاتفاق ؛ فالطرفان لم يجتمعا على رؤية موحدة ولا حتى على مصلحة مشتركة سوى مصلحة الإبقاء على الوضع كما هو عليه لكن مع تبادل ابتسامات أمام الكاميرات ومع ذلك يبدو أن الطرفين قد أتقنا لعب دور الضحية بعد الانهيار وكأنهما لم يكونا طرفًا في المشكلة أصلاً بل مجرد متفرجين أبرياء ضلّت بهم الطريق إلى طاولة تفاوض مصنوعة من وهم وسراب

الطريف أن كل طرف الآن يتهم الآخر بالخيانة وكأن الاتفاق كان نصًا مقدسًا نزل من السماء وليس مجرد حبر على ورق خطّه مستشارون نصفهم منشغل بإرسال رسائل على الواتساب أثناء الاجتماعات في حين أن الواقع كان واضحًا: الاتفاق لم يكن سوى قنبلة موقوتة تنتظر اللحظة المناسبة للانفجار والانفجار جاء أسرع مما توقع الجميع

أما الجمهور المسكين، سكان شرق السودان، فقد جلسوا أمام هذا المشهد الكوميدي المأساوي يتساءلون: هل هذا حقًا اتفاق بين قياداتنا أم هو حلقة جديدة من برنامج الواقع السياسي السوداني الذي لا ينتهي؟ في حين أن مشاكل المنطقة الحقيقية من فقر وتهميش وصراعات على الموارد لا تزال تتكدس في الزوايا وكأنها ديكور غير مهم على خشبة المسرح

وفي النهاية، لن يغير انهيار هذا الاتفاق شيئًا في معادلة الصراع لأن اللعبة نفسها باقية واللاعبون هم أنفسهم والمصالح لم تتغير ربما فقط سينتظرون بضع أشهر قبل أن يجتمعوا مجددًا على طاولة أخرى يرفعون ذات الشعارات ويلقون نفس الخطابات حتى يُعاد إنتاج المسرحية ذاتها بنفس السيناريو وبنفس النهاية المضحكة المبكية

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version